بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         أصل هذا الكتاب بحث كنت أنجزته عن "الشورى والديموقراطية: رؤية عصرية"، بطلب من مؤسسة الفكر العربي، ليقدم في مؤتمرها الأول الذي انعقد بالقاهرة.Œ

 

         وهو يسعى بالدرجة الأولى ليس إلى إجراء مقارنة بين النظامين، ولكن إلى فتح أفق للتأمل في قضية شائكة يقف العرب والمسلمون حائرين أمامها، يخترمهم نزاع شديد مع ذاتهم الضعيفة المنهارة، والآخر المتفوق بقوته وبالأوج الذي أدركه في مضمار الحضارة والثقافة، والذي غذى تطلعه لفرض نفوذه عليهم والتحكم في مصيرهم.

 

         وتتشكل هذه القضية في معادلة صعبة ودقيقة تجعلهم موزعين بين الدعوة إلى التشبث بالنظام الإسلامي والرغبة في العودة إلى إحلاله، وبين المناداة باعتناق غيره مما تغري به نظريات الحكم الحديثة. وإذا كان هذا التوزع ينطلق ظاهرياً من النظر في الشورى الإسلامية والديموقراطية الغربية بقصد اختيار الأفضل والأنسب، فإنه في حقيقته يعكس أزمة الأنظمة القائمة، ويعكس – نتيجة لهذه الأزمة – موقفاً لم يعد يخفى التعبير عنه، مفاده القول الصريح بضرورة فصل الدين عن الدولة وإبعاده عن السياسة، في توجه واضح نحو اللائكية أو العلمانية.

 

         مهما تكن جوانب هذه الإشكالية التي ستحاول مناقشتها مباحث الكتاب، في غير تعصب للإسلام الذي هو المكيف لروح معتنقيه ومصيرهم وفكرهم، من حيث هو عقيدة وشريعة ومنظومة سلوك، وكذا في غير رفض مسبق لما في الأنظمة الحديثة من إيجابيات وجوانب مضيئة، فإن الذي لا شك فيه أن الحاجة ماسـة على

_________________________

Œ من 20 إلى 22 شعبان 1423هـ الموافق 27-29 أكتوبر 2002م.

الصعيد العربي الإسلامي إلى الاجتهاد لإيجاد صيغة أو صيغ صحيحة للحكم، تحقق ما يتوخاه نظام الشورى الإسلامي ونظام الديموقراطية الغربية كذلك.

 

         وعندي أن هذا الاجتهاد بكل شروطه ومتطلباته هو السبيل إلى إبداع فقه سياسي يسعف في الخروج من المأزق الذي تعانيه الدول العربية والإسلامية المتعطشة شعوبها للإصلاح الجذري الشامل، والذي لا يزيدها مع توالي الضغوط الداخلية والتحديات الخارجية إلا إمعاناً في التخلف والتدهور.

 

         ولعلي أن أؤكد أن بلورة تلك الصيغ تقتضي البدء بتربية المجتمع وتعليمه وتكوين الأجيال وتنويرها بثقافة جديدة من شأنها أن تعين على ذلك وتفتح الطريق لبلوغه، في إطارٍ تحديثي يفرض نفسه، مع الحفاظ على ثوابت المجتمع الراسخة وما يشكلها من مقدسات.

 

         والحق أنه لا جدوى من هذه الثقافة ما لم تعتمد التوعية بحقوق المواطن وواجباته وحرياته، ومجال هذه المطالب وحدودها، وتبعات ممارستها وما تفرض من مسؤوليات، حتى يكون بهذه التوعية في منأى عن أي انحراف وأي انسياق لهيمنة قوى داخلية أو خارجية قد تتستر خلف شعارات جذابة.

 

         وبهذا تتحقق الأهداف التي تتطلع إليها الشعوب العربية والإسلامية، منبثقة تلقائيا من الذات وإيمانها بالقيم النبيلة لهذه الأهداف، وليس عبر أية سلطة ضاغطة تتوسل لفرض منظورها بالعنف والإكراه.

 

         والله من وراء القصد.

 

الرباط فاتح محرم 1425هـ                                                     عباس الجراري

الموافق 22 فبراير 2004م